بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خوف من الله
الخطبة الأولى
بعد المقدمة
الخوف
من الله: آية المتقين، وديدن العارفين وطريق الأمن في الآخرة وسبب السعادة
في الدارين، ودليل على صفاء القلب وطهارة النفس فإذا سكن الخوف في القلب
أحرق مواضع الشبهات وطرد بهرج الدنيا والبراهين والأدلة على عظمة الله
وكبريائه ليهابوه ويخافوه كثيرة.
وقد
وصف نفسه بالشدة والعزة وسرعة الأخذ وذكر النار وأهوالها والزقوم والحميم
الأغلال والفظائع والأهوال، قال - تعالى -: (فذكر بالقران من يخاف وعيد) [ق
45].
وقال
- تعالى -: (الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود
الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) [الزمر 32].
وانظر إلى الأبرار، قال الله فيهم: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) [الإنسان 7].
فما جزاؤهم: (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا) [الإنسان 9].
وقال - تعالى -: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون)[السجدة 16].
وقال
النبي –صلى الله عليه وسلم- عندما تحدث عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله
يوم لا ظل إلا ظله: ((رجل آتته امرأة ذات حسن وجمال فقال إني أخاف الله رب
العالمين ورجلا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه))[حديث متفق عليه].
قال أحدهم شجرة الخوف إذا زرعت في القلب امتدت فروعها إلى الجوارح فأتت أكلها الطيب بإذن ربها وأثمرت عملا صالحا وربحا وسلوكا قويما.
إذا خاف المرء ربه أخاف الله منه كل شيء وإن لم يخف ربه أخافه الله من كل شيء.
العبد يعبد ربه برأس وجناحين الرأس هو الحب والجناحان هما الرجاء والخوف.
ومن
عبد الله بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن
عبد الله بالخوف وحده فهو حروري، قال - تعالى -: (إنما ذلكم الشيطان يخوف
أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين). قال بن سعدي - رحمه الله -
الآية فيها وجوب الخوف من الله وحده، وقال - تعالى -: (ولمن خاف مقام ربه
جنتان) [الرحمن 46].
وقال - تعالى -: (أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه) [الزمر36].
وهاهم
الأنبياء وكيف كانوا يخافون ربهم، قال - تعالى - عن إبراهيم الخليل: (إن
إبراهيم لحليم أواه منيب)[هود 75]. قال العلماء: كان كلما ذكر النار تأوه
والأواه هو الذي كلما ذكر ذنوبه تأوه.
وداود - عليه السلام - بكى على خطيئته بكاءا مرا حتى أبكى كل من حوله.
وورد
أن ميكائيل ما ضحك منذ خلقت النار، وهاهو النبي - صلى الله عليه وسلم -
وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك كان يقوم حتى تتفطر
قدماه.
وكان
كلما رأى الريح والغيم وإذا حدث كسوف أو خسوف يخرج مسرعا يجر رداءه وصلى
بهم فأطال القيام ثم خطب ومن قوله في الخطبة: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم
قليلا ولبكيتم كثيرا))[رواه هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا].
ولا
يغتر أحد بمكان صالح فلا مكان أصلح من الجنة ولقي فيها ادم ما لقي، ولا
يغتر أحد بلقاء الصالحين ورؤيتهم فلا شخص أصلح من النبي - صلى الله عليه
وسلم - ولم ينتفع به أعداؤه والمنافقون ولا حتى عمه انتفع برؤيته، بل الرعد
والملائكة يخافونه - سبحانه - قال - تعالى -: (و يسبح الرعد بحمده
والملائكة من خيفته)[الرعد 13].
يقول بن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة فيا عجبا من مضغة لحم أقسى من هذه الجبال تسمع آيات الله فلا تلين ولا تخشع.
والآن مع إجابة السؤال وهو كيف تستجلب الخوف:
1- تدبر آيات الله وكلام نبيه.
2- التفكر في الموت وشدته: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد)[ق].
3-
التفكر في القبر وعذابه فقد جلس يوما النبي - صلى الله عليه وسلم - على
شفير قبر فبكى حتى بل الثرى وقال يا أخواني لمثل هذا فأعدوا) [رواه أحمد
إسناده حسن].
4- التفكر في القيامة وما سيحدث فيها.
5- التفكر في النار وشدة عذابها.
6-
التفكر في ذنوب الإنسان يقول النبي: ((إذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا
ما يحب وهو مقيم على معصيته منها فإنما هو منه استدراج))[حسنه الشيخ
الأرناؤوط].
7- الخوف من أن يحال بينه وبين التوبة- بمرض مفاجئ موت مفاجئ فتنة مضلة غفلة مستمرة تسويف.
8- التفكر في سوء الخاتمة.
الخطبة الثانية
الخوف
المحمود هو الذي يردع عن المحارم، رأى أبو بكر طائرا وقع على شجرة فقال:
ما أنعمك تأكل وتشرب وتطير وليس عليك حساب ليتنى كنت مثلك.
ويقول عمر لابنه ضع خدي على الأرض (وهو يحتضر) عسى الله أن يرحمني.
وعثمان كلما وقف على القبر ابتلت لحيته من البكاء ويقول هو صعب وما وراءه أهون.
وعلى
بن أبى طالب وصفه ضرار ابن ضمرة لمعاوية فقال: كان والله غزير الدمعة طويل
الفكرة لقد رأيته ليلا وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه يميل في محرابه
قابضا على لحيته يضطرب ويتقلب ويبكى قائلا يا ربنا يا ربنا فبكى معاوية
وقال: هكذا كان والله أبو الحسن.
عبد الله بن عمرو يقول: دمعة خشية من الله أحب إلى من تصدق بألف دينار
وأقسم ربيع بن خراش: ألا يضحك حتى يعلم أين مصيره إلى جنة أم إلى نار ويقول مغسلوه كان يبتسم لنا ونحن نغسله.
والآن قلنا العبد يعبد الله بجناحين الخوف والرجاء فمتى يعلو جانب الخوف ومتى يعلو جانب الرجاء.
عندما تكون مريضا ارفع جانب الرجاء وعندما تكون صحيحا معافى ارفع جانب الخوف.
في حال الطاعة ارفع جانب الرجاء وفى حال المعصية ارفع جانب الخوف.
والحب ملازم لا تتركه على أي حال..
الإنسان كلما خاف شيئا هرب منه لكنه إذا خاف الله هرب إليه..
الدعاء..
المختار الاسلامى