السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
همة المؤمن متعلقة بالاخره
فكل ما في الدنيا يحرِّكه إلى ذكر الآخرة وكما قالوا: همك ما أهمك.
(ألم تر إلى أرباب الصنائع لو دخلوا إلى دار معمورة رأيت البنَّاء ينظر إلى الحائط، والنجَّار ينظر إلى الباب والنوافذ، والحائك ينظر إلى النسيج. فكذلك المؤمن اليقظان: إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر، وإذا شكا ألما ذكر العقاب، وإن سمع صوتًا فظيعًا ذكر نفخة الصور، وإن رأى نيامًا ذكر الموتى في القبور، وإن رأى لذة ذكر الجنة) 1.
روي أن الحسن البصري -رحمه الله -أُعطي شربة ماء بارد، فلما أخذ القدح غشي عليه وسقط من يده، فلما أفاق قيل له: ما ذلك يا أبا سعيد؟ قال: «ذكرت أمنية أهل النار حين قالوا لأهل الجنة: أَنۡ أَفِيضُواْ عَلَيۡنَا مِنَ ٱلۡمَآءِ أَوۡ مِمَّا رَزَقَڪُمُ ٱللَّهُۚ [الأعراف: 50] 2.
تخرج في نفس المدرسة عالم آخر أخروي الهمة هو عبد الله بن المبارك، كان أقرانه يتعجبون من أثر كلماته في القلوب حتى تجلى السر يومًا؛ كانوا يسيرون معه في ليلة مظلمة، وفي أيديهم سراج يضيء لهم الطريق، وبينما هم كذلك إذ هبت ريح لتطفئ نور السراج ويسود ظلامٌ دامس للحظات، ثم لم يلبث أحدهم أن أضاءه، فلما أضاء فإذا بدموع الرجل تبلل لحيته فأقروا معترفين: «بهذه الخشية فُضِّل هذا الرجل علينا، ولعله حين فقد السراج فصار إلى الظلمة ذكر القيامة» 3.
وإذا كانت الظلمة قد أبكت عبد الله بن المبارك، فإن النار أبكت الربيع ابن خثيم وهرم بن حيان.
وإليك خبرهما:
- مشى الربيع بن خثيم في الحدادين فلما نظر إلى الأكوار تنفخ، وإلى النار تلتهب صعق مغشيًا عليه، فقعد ابن مسعود عند رأسه إلى وقت الصلاة فلم يفق، فحمله على ظهره إلى منزله، فلم يزل مغشيًّا عليه إلى مثل الساعة التي صعق فيها فاتته خمس صلوات .
- مشى هرم بن حيان على قوم يصهرون الحديد على النار فجعل يردِّد: «اللهم أجرنا من النار» لكنه يأبى أن يناله الخير وحده، وهو يعلم أن
«من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله» ،
ويعزم على أن يسبق الربيع فيستفيق سادرًا في غفلته أو أسيرًا كبَّلته شهوته فتنقشع الغفلة وتنكسر القيود فينال مثل ثواب من هداهم، فتجده يرفع صوته عقب أذان الفجر:
«عجبت من الجنة كيف نام طالبها، وعجبت من النار كيف نام هاربها».